عثرات اللِّسان في شهر الإحسان
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
عثرات اللِّسان في شهر الإحسان
عثرات اللِّسان في شهر الإحسان
د. شميسة خلوي
بسم
الله والحمد لله الذي جعل رمضان مصباح العام، وموسما لاغتنام الفضائل
والكفّ عن الآثام، فطوبى لمن اغتنمت الفرصة وجدَّت في بلوغ أسمى الدرجات،
أما بعدُ:
كم ترقى أرواحنا وتتسامى نفوسنا وتصفو قلوبنا في شهر
العبادات، وتأبى هممنا إلا عُلوّاً، لكن... أليس غريبا أن نتقرَّب إلى الله
عز وجل بالكفِّ عمَّ أحلَّه لنا ونقع في ما حرَّمه علينا؟!
إن
الهدف من الصوم هو تحقيق التقوى، فأين التقوى حين تصوم بُطوننا وتعصي
جوارحنا؟! إن العين تعصي بالنظر لكل ما هو محرَّم، واللسان بالقول
المحرَّم، والأذن بالاستماع للكلام المحرَّم، وإنّا سنُسأل عن جوارحنا، ﴿
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، وإن سؤال الآخرة أعظم وأشد!
وا
عجبًا لصائمة تُمسك عن الأكل والشرب، ولا تمسك فاها عن القيل والقال؟! ولا
أذنها عن سماع الأغاني والمنكرات؟! ولا نظرها عن مشاهدة المسلسلات
والأفلام والمواقع غير الأخلاقية ؟! وصدق الشاعر حين قال:
إِذَا لَم يَكُنْ فِي السَّمْعِ مِنِّي تَصَاوُنٌ *** وَفِي بَصَرِي غَضٌّ وَفِي مَنْطِقِي صَمْتُ
فَحَظِّي إِذَنْ مِنْ صَومِيَ الجُوعُ وَ الظَّما *** فَإِنْ قُلْتُ إِنِّي صُمْتُ يَومِي فَمَا صُمْتُ
إنها
آفات اللسان والعين والأذن، تلك التي تفسد صومنا وتُبعثر حسناتنا ولا
تحقِّق التقوى المطلوب من صيامنا، بل تؤدي إلى نقصان أجورنا، تعالي حفظك
الله ورعاك لوقفة نراجع فيها أحوالنا، ولتكن وقفة مع آفات اللسان.
أقول:
يا أخية لم تفهمي مشروعيَّةالصيام إذا كان هذا ديدنُك في هذه الأيام
المباركات، فليس الأمر ترك طعام أو شراب، كلا يا حبيبة، الصوم هو أيضا صومك
عن النميمة والغيبة والسب والقذف والشتم والكذب والثرثرة، إنَّه صوم
اللسان عن الآفات التي تحصد حسناتنا حصدا، فكيف تصوم بطوننا وتفطر جوارحنا؟
لا أرى من فعل هذا إلا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا!
يقول
الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ
الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ
طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»[1]، والمقصود بالزور في الحديث هو الكذب والميل عن الحق والعمل بالباطل.
وانظري
وتفحصي كيف السلامة لا يعدلها شيء! قال النووي في الأذكار: «اعلم أنه لكلّ
مكلّف أن يحفظَ لسانَه عن جميع الكلام إلا كلاماً تظهرُ المصلحة فيه، ومتى
استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة، فالسنّة الإِمساك عنه، لأنه قد ينجرّ
الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة»[2].
ورُوي
عن سفيان الثَّوري قوله: «لَوْ رَمَيْتُ رَجُلًا بِسَهْمٍ كَانَ أَحَبَّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَرْمِيَهُ بِلِسَانِي، لِأَنَّ رَمْيَ اللِّسَانِ لَا
يَكَادُ يُخْطِئُ»[3]،
فانظري –يا رعاكِ الله-كيف كان السلف من المسلمين حريص على حفظ اللسان،
فكوني واعية مدركة لعواقب زلة اللسان، ولله درُّ من حفظت لسانها، وتركت
الكلام في ما لا يعنيها، فارتاحت وأراحت.
والمسلم
ملزم بحفظ لسانه في كل وقت وأوان، فكيف بحفظه في أشرف الأوقات؟! فاحفطي
لسانكِ ليسلم المسلمون منه وتسلمي، وإليك تفصيل للداء والدواء، رصدت فيه
أهم هذه الظواهر، تذكيرا لي ولكِ، إنَّ الذكرى تنفع المؤمنين.
همسة أخوية: اللسان أجْرَحُ جَوَارحِ الإنْسَانِ.
النميمة:
النَّميمة
-يا رعاكِ الله- هي نقل الكلام، كلامُ الناس بعضهم إلى بعضٍ لغرض إفساد
العلاقة بينهم، والنميمة محرّمة بإجماع المسلمين في كل الأيام، فكيف في شهر
رمضان؟! وهي من مُوجبات عذاب القبر، لما رَواه ابن عباس -رضي الله عنهما-
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ بقبرين فقال:
«إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا
أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ
فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»[4]،
وما أكثر سُفراء السوء الذين أفسدوا ذات البين، وأوقعوا بين الناس يا
أخيّة! واعلمي أن لكل ساقطة لاقطة، فلا تكوني أنتِ من تلتقط وتذيع كل ما
تسمع.
همسة أخوية: إنَّ طاعة اللسان ندامة.
الغِيبة:
إن الغيبة هي ذِكر الإنسان في غيبته بما يكره، يقول الرسول صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ
أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ
مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ
بَهَتَّهُ»[5]،
فالضابطُ: ذكرُكِ شخصا لما يكره، وكثيرا ما يكون كلام المرأة عن المرأة في
المجالس النِّسائية، سواء كان في خَلقها، أو خُلقها، في دينها أو دُنياها،
أو ما يتعلّق بها.
ولله درُّ سفيان بن عُيَيْنة حين قال: «الْغِيبَةُ أَشَدُّ مِنَ الدَّيْنِ، الدَّيْنُ يُقْضَى، وَالْغِيبَةُ لَا تُقْضَى»[6].
فلتكوني
يا أخيّة وقَّافة عند أوامر الله ولتتذكري دوما: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ
مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ
رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، حتى لو كان عيبا موجودا في أختك، فاكتميه واستُري
عورتها لما تعلمه فيكِ، وأي الناس ليس به عيوب؟!
تمعني
أختي الحبيبة في قول الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسّلام وهو يخاطبنا:
«مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»[7]، أوَ تفرطين في ستر الله لمعاصيكِ وعيوبكِ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟ لمجرد لذة عابرة ومتعة عارضة؟
إذا رُمْتَ أن تحيا سليماً من الرَّدى *** ودِينك موفُورٌ وعِرضُك صيّن
فلا ينطقنَّ منكَ اللسان بِسوْءَةٍ *** فكُلُّكَ سَوءاتٍ وللناس ألْسُنُ
وعينُك إن أبْدَتْ إلَيْكَ مَعَائباً *** فدَعْها وقُلْ يا عينُ للنَّاس أعْيُنُ
وعَاشر بمعروف وسَامح من اعْتدى *** ودافِع ولكن بالتي هِيَ أحْسَنُ
ولا
أظنك الآن تجهلين عواقب النميمة والغيبة عليكِ وعلى المجتمع، يبقى أنّك
ربما تودين التقرُّب إلى شخص بعينه، بنقل الأخبار إليه، أو تُسايرين
جليساتك يا أخيّة، وتُجاملينهن، اسمحي لي أن أقول: لكِ الخيار: إرضاء
محدّثتك وهواكِ أو إرضاء ربِّك في هذا الشهر الفضيل، ليست معادلةً صعبة،
وليس سؤالا معجزا، بل هو قرار تتخذينه وتسيرين على نهجه... إرضاء لله.
أو
رُبّما تتشفَّين بنقلكِ لخبر ما يحطُّ من قدر شخص بينك وبينه عداوة،
فاسمحي لي أن أقول لكِ مرة أخرى: لا يخلو الأمر من كذب أو تشهير بالآخرين،
أو ظلمهم، وربما هذا التشهير نتيجة حقد وغل ملأ قلبكِ، فكيف تتحمَّلين وزر
كل هذا وأنت في شهر يجدُّ فيه غيركِ لكسب الثواب والأجر ويأمل من الله
مغفرة الزلات والذنوب؟
يُروى
أنه اجتمع قيس بن ساعدة بأكثم بن صيفي، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدتَ في
ابن آدم من العُيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تحصر، وقد وجدتُ خصلة إن استعملها
الإنسان سترت العيوب كلها، قال: وما هي؟ قال: حفظ اللسان[8].
همسة أخوية:
يَا رُبَّ أَلسنَةٍ كَالسُّيوُفِ *** تَقْطَعُ أعْنَاقَ أَصْحَابِها
وَكَمْ دُهِيَ المَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ *** فَلا تُؤْكَلَنَّ بِأَنْيَابِها
السبُّ والقذف والشتم:
إن
الصيام يُصلح النفوس، فهلمي لفرصة تصحِّحين فيها أخطائكِ وتصلحين فيها
سلوككِ، لنتتبع وصية الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، ونتدبر هدْيه
النبوي، قال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ
فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ،
فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»[9]،
هي جملة تمثل قمة الوعي بضرورة حفظ اللسان وصونه، وتعويده على طيب الكلام،
فلا تقابلي من سبَّتكِ أو شتمتكِ أو آذتكِ بمثل ما بدر منها، ولا تنتصري
لنفسكِ، بل اصبري واحتسبي واكظمي غيظك، وذكِّري نفسك وذكريها بشهر الصيام:
إِنِّي امرأة صائمة.
ادفعي
بالتي هي أحسن يا حبيبة، ولا تدعي شعور الغضب يغلبكِ وتنهار معه مقاومتكِ،
وما أجمل مقابلة الإساءة بالإحسان، جرِّبي هذا الشعور وسترين حلاوته!
همسة أخوية: عثرة القدم أسلم من عثرة اللسان.
الكذب:اعلمي
يا رعاكِ الله أن آفة الحديث الكذب، فإيّاكِ والكذب يا أختي، لعمري إنه من
قبائح الذُّنوب وفواحش العُيوب، إن الكذب في الحديث من خِصال المنافقين،
عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُ المنافِقِ
ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا
اؤْتُمِنَ خَانَ»[10]، وبئس هذا الوصف لمن اتَّصفت به!
إن
الصدق يهدي إلى الجنة والكذب إلى النار، إن الصِّدق مفتاحُ البر والكذبُ
مفتاح الإثم والفُجور، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: «عَلَيْكُمْ
بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ
يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى
الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ
وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ
الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ
وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»[11].
همسة أخوية: إنما السَّالم من ألجم فاه بلجام.
الثرثرة:
اعلمي
-يرحمكِ الله-، ليس كلُّ ما يُعلم يُقال، وليس كل ما في صدورنا نبوح بهِ،
وليس كل شخص نُقابله نثق فيه ونبثه لواعج صدورنا، لكن بعكس ما يجب، هناك من
تهذر في كل شيء، وتتحدث عن أي شيء، وتنتقل من حديث لحديث، ومن خبر لآخر...
تلك هي الثرثرة، وتلك هي الثرثارة أيضا!
وفي
خِضَّم كثرة الكلام سيزيّن لها الشيطان أرذل الكلام وأقبحه، وإن بدت لها
بدايته متزنة، فبطول الحديث قد تتَّصل به النميمة والغيبة والكذب، مع الحشو
والزيادة والمبالغة وتضخيم الأمور والتوقُّع والحُكم على الآخرين، وما
أقبحها من نتيجة!
يقول
الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ
وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ
أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا
يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ والمتشَدِّقُونَ وَالمتَفَيْهِقُونَ»[12]،أفلا
ترغبين أن تكوني من أحب الناس لحبيبك المصطفى يوم القيامة؟ فالندم على
السكوت خير من الندم على القول، ولأن تسرفي في السكوت خير لكِ من أن تسرفي
في الكلام، فلتتعظي...
همسة أخوية: القَوْل لَا تملكه إِذا نما *** كالسهم لَا يرجعه رام رمى
السخرية والاستهزاء:
السخريه
هي احتقار الغير والاستهانة به، وذكر نقائصه وعيوبه بالقول أوالفعل أو
بالإشارة أو الإيماء أو التقليد، وقد أجمع علمائنا على تحريم السخرية من
الآخرين، يقول عز وجل﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ
مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ
نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا
أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ
بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
[الحجرات:11].
همسة أخوية: من تفقَّدت مقالها قلَّ غلطها!
إن
كنتُ قد وقفت على بعض من هذه الآفات فهي أكثر من أن أقيدها في هذه الأسطر،
فما قلتُ عن آفات اللسان السابقة الذكر ونتائجها الوخيمة على العبد، ينسحب
على إفشاء السر وشهادة الزور، وكثرة المزاح أو المزاح الكاذب وغير ذلك.
ما الحلُّ مع من ابتليت بآفات اللسان؟
الآن... ما العمل إذا كانت هذه الصفات بعينها قد ابتليتِ بها، وما العمل إذا أدركَ سمعك نميمة أو غيبة في مجلس أنت طرفٌ فيه؟
لن تعدمي الوسيلة يا كريمة الشمائل، إليك حُلولا تُساعدك على التخلُّص من هذه الصفات الذميمة:
•
التعوذ بالله من شرّ اللسان تأسيًّا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الذي ورد في دعائه: «أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَشَرِّ
بَصَرِي، وَشَرِّ لِسَانِي، وَشَرِّ قَلْبِي، وَشَرِّ مَنِيِّي»[13].
•
حاولي التقليل من المكالمات الهاتفية، ولا تستهويكِ الإعلانات التي تجعل
الكلام مجانا لساعات طوال من رمضان، وما أكثرها! ولعلَّها من أهم أسباب
التواصل، ليته كان تواصلا في الخير يا أمة الله! اسئلي نفسك وأعيدي تجارب
رمضان الماضي والذي قبله، تذكّري: من كَثُر كلامه كَثُر غلطه!
• اتركي المجلس الذي تشعرين أنه يجدُّ في إيقاع العداوة والبغضاء بين الأفراد بالنميمة والكذب والسخرية.
•
استحضري دوما الصورة التي رسمها القرآن الكريم في تشبيه المغتاب بقوله
تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ
يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، ولتجعلي نفسك مكان المغتاب
لعلَّ وعسى!
•
قال النووي في الأذكار: «اعلم أنه ينبغي لمن سمع غِيبةَ مسلم أن يردّها
ويزجرَ قائلَها، فإن لم ينزجرْ بالكلام زجرَه بيده، فإن لم يستطع باليدِ
ولا باللسان، فارقَ ذلكَ المجلس، فإن سمعَ غِيبَةَ شيخه أو غيره ممّن له
عليه حقّ، أو كانَ من أهل الفضل والصَّلاح، كان الاعتناءُ بما ذكرناه أكثر.
»[14].
• تذكَّري الملكين الشاهدين على كل كلمة تنطقينها ولفظة تخرج من بين شفتيكِ يا أختاه، تذكَّري أنهما لا يغيبان عنكِ،﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].
•
لا تُطيعي التي تمشي بين الناس بالنميمة، وتسعى لإفساد العلاقات بين
الأخوات والأُسر، ولا التي تغتاب الناس، واستحضري قوله تعالى: ﴿ وَلا
تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم:
10-11]، وعليكِ عدمُ تصْديق النَّميمة، ولا تظنّي سوءًا بأخواتكِ ممن نُقل
عنهُن الكلام، واجتنبي كثيرا من الظنّ، إنه مدعاةٌ للفُرقة وفسادٌ
للعلاقات.
• إن
كان سبب النميمة التي تجري على لسانك الرغبة في زوال نعمة المتحدَّث عنها،
فروِّضي نفسك على الرضا بقضاء الله وقدره، فتلك النعمة التي ترفل فيها أختك
في الله، هي نصيبها، ولن يزيدكِ حسدكِ لها إلا حسرة وألما، استشعري نِعم
الله عليكِ، ستعلمين حينها... كل ميسَّر لما خُلق له!
• استشعري ستر الله لكِ، وكوني لأختك ساترة.
•
استحضري أيضا ثمرات حفظ اللسان في الدنيا والآخرة، ويكفي أن نتذكر قوله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ
لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ»[15]، أوَ بعد الجنة أمنية أغلى وهدف أسمى؟!
•
اقطعي كل الأسباب التي تحرِّك اللسان بما لا يُرضي الله، كالغضب، ومجالسة
النمّامات، فإن زال الدافع استطعتِ التغلُّب على هذه الآفة الخُلقية
الذّميمة.
• عليكِ بوقفة تأمل، تحدِّدين فيها الأسباب التي توقعك بالغيبة والنميمة وتجنبيها، فإذا عُلم السبب عولج بالإقلاع عنه.
• عليكِ بالرفقة الصالحة الطيّبة، ابحثي عن الصديقة التي تأخذ بيدك لبر الأمان، إن رأتكِ غافلة ذكَّرتك، وإن رأتكِ ذاكراة أعانتكِ.
• عليكِ بمجالس الذكر فهي من أهم أسباب حفظ اللسان وصونه عن الخوض في الباطل.
• اتفقي أنت وصديقاتك على عدم الوقوع في النميمة والغيبة، وليكن اتفاقا جادا بينكن.
• اشتغلي بعيوب نفسكِ، حينها لن تلتفتي لعيوب الأخريات ولن تنشري أخبارهن وزلاتهن.
•
جاهدي نفسك على كظم الغيظ وكوني ممن وصفهم رب العزة قائلا: ﴿
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران:134]،فإنَّ أشد الجهاد مجاهدة الغيظ.
• إن بدرت منكِ كلمةٌ بذيئة أو لفظة زائغة، فسارعي بالتَّوبة والاستغفار.
والآن...
لا تستطيعين؟! حاولي، واتبعي المحاولة بأخرى، إنه ليس بالأمر الهيِّن
السهل، لكن الله سيمتحن إخلاصكِ ويرى مثابرتكِ على التوبة من هذه الآفات،
ومدى مجاهدتك لنفسكِ ومَن توكّلت على الله فهو حسبُها.
وتذكري
أنّه شهر وينقضي، وأيام وتنتهي، ولعل أول خطوة تتخذينها في رمضان تكون لكِ
بداية للتخلص من هذه الآفات طول عمرك، فلا تتواني، ومن طلب شيئاً وجدَّ
وجدَه، ومن قرع باباً وألحَّ ولجه، فعلا...إنَّ في حفظ اللِّسان راحة
الإنسان، فلنعمل على راحتنا.
[1] صحيح البخاري، صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، ط1، 1422 ه، 3/26.
[2]
النووي، الأذكار، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، دار الفكر للطباعة والنشر
والتوزيع، بيروت – لبنان، طبعة جديدة منقحة، 1414 هـ - 1994م، 332.
[3]
الخرائطي، مكارم الأخلاق ومعاليها ومحمود طرائقها،تقديم وتحقيق: أيمن عبد
الجابر البحيري، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 1419 هـ / 1999 م، 400.
[4]
صحيح البخاري، 1/53، وصحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء
التراث العربي، بيروت، لبنان، 1 / 93، 1/240، واللفظ للبخاري.
[5] مسلم، 4/2001.
[6] أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، السعادة، 1394هـ/ 1974م، 7/275.
[7] صحيح البخاري، 3/128، صحيح مسلم، 4/2002.
[8] الأبشيهي، المستطرف في كل فن مستظرف،عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط1، 1419ه، 93.
[9] صحيح البخاري، 3/128 وصحيح مسلم، 4/2002.
[10] صحيح البخاري، 1/16 وصحيح مسلم، 1/78.
[11] صحيح مسلم، 4/2013.
[12] صحيح البخاري، 3/128 وصحيح مسلم، 4/2002.
[13]
النسائي، سنن النسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات
الإسلامية – حلب، ط2، 1406 هـ- 1986م، 8/255، صحّحه الألباني في صحيح
الجامع الصغير وزياداته، المكتب الإسلامي، 1/277.
[14] النووي، الأذكار، 343.
[15] صحيح البخاري، 8/100.
د. شميسة خلوي
بسم
الله والحمد لله الذي جعل رمضان مصباح العام، وموسما لاغتنام الفضائل
والكفّ عن الآثام، فطوبى لمن اغتنمت الفرصة وجدَّت في بلوغ أسمى الدرجات،
أما بعدُ:
كم ترقى أرواحنا وتتسامى نفوسنا وتصفو قلوبنا في شهر
العبادات، وتأبى هممنا إلا عُلوّاً، لكن... أليس غريبا أن نتقرَّب إلى الله
عز وجل بالكفِّ عمَّ أحلَّه لنا ونقع في ما حرَّمه علينا؟!
إن
الهدف من الصوم هو تحقيق التقوى، فأين التقوى حين تصوم بُطوننا وتعصي
جوارحنا؟! إن العين تعصي بالنظر لكل ما هو محرَّم، واللسان بالقول
المحرَّم، والأذن بالاستماع للكلام المحرَّم، وإنّا سنُسأل عن جوارحنا، ﴿
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، وإن سؤال الآخرة أعظم وأشد!
وا
عجبًا لصائمة تُمسك عن الأكل والشرب، ولا تمسك فاها عن القيل والقال؟! ولا
أذنها عن سماع الأغاني والمنكرات؟! ولا نظرها عن مشاهدة المسلسلات
والأفلام والمواقع غير الأخلاقية ؟! وصدق الشاعر حين قال:
إِذَا لَم يَكُنْ فِي السَّمْعِ مِنِّي تَصَاوُنٌ *** وَفِي بَصَرِي غَضٌّ وَفِي مَنْطِقِي صَمْتُ
فَحَظِّي إِذَنْ مِنْ صَومِيَ الجُوعُ وَ الظَّما *** فَإِنْ قُلْتُ إِنِّي صُمْتُ يَومِي فَمَا صُمْتُ
إنها
آفات اللسان والعين والأذن، تلك التي تفسد صومنا وتُبعثر حسناتنا ولا
تحقِّق التقوى المطلوب من صيامنا، بل تؤدي إلى نقصان أجورنا، تعالي حفظك
الله ورعاك لوقفة نراجع فيها أحوالنا، ولتكن وقفة مع آفات اللسان.
أقول:
يا أخية لم تفهمي مشروعيَّةالصيام إذا كان هذا ديدنُك في هذه الأيام
المباركات، فليس الأمر ترك طعام أو شراب، كلا يا حبيبة، الصوم هو أيضا صومك
عن النميمة والغيبة والسب والقذف والشتم والكذب والثرثرة، إنَّه صوم
اللسان عن الآفات التي تحصد حسناتنا حصدا، فكيف تصوم بطوننا وتفطر جوارحنا؟
لا أرى من فعل هذا إلا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا!
يقول
الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ
الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ
طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»[1]، والمقصود بالزور في الحديث هو الكذب والميل عن الحق والعمل بالباطل.
وانظري
وتفحصي كيف السلامة لا يعدلها شيء! قال النووي في الأذكار: «اعلم أنه لكلّ
مكلّف أن يحفظَ لسانَه عن جميع الكلام إلا كلاماً تظهرُ المصلحة فيه، ومتى
استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة، فالسنّة الإِمساك عنه، لأنه قد ينجرّ
الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة»[2].
ورُوي
عن سفيان الثَّوري قوله: «لَوْ رَمَيْتُ رَجُلًا بِسَهْمٍ كَانَ أَحَبَّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَرْمِيَهُ بِلِسَانِي، لِأَنَّ رَمْيَ اللِّسَانِ لَا
يَكَادُ يُخْطِئُ»[3]،
فانظري –يا رعاكِ الله-كيف كان السلف من المسلمين حريص على حفظ اللسان،
فكوني واعية مدركة لعواقب زلة اللسان، ولله درُّ من حفظت لسانها، وتركت
الكلام في ما لا يعنيها، فارتاحت وأراحت.
والمسلم
ملزم بحفظ لسانه في كل وقت وأوان، فكيف بحفظه في أشرف الأوقات؟! فاحفطي
لسانكِ ليسلم المسلمون منه وتسلمي، وإليك تفصيل للداء والدواء، رصدت فيه
أهم هذه الظواهر، تذكيرا لي ولكِ، إنَّ الذكرى تنفع المؤمنين.
همسة أخوية: اللسان أجْرَحُ جَوَارحِ الإنْسَانِ.
النميمة:
النَّميمة
-يا رعاكِ الله- هي نقل الكلام، كلامُ الناس بعضهم إلى بعضٍ لغرض إفساد
العلاقة بينهم، والنميمة محرّمة بإجماع المسلمين في كل الأيام، فكيف في شهر
رمضان؟! وهي من مُوجبات عذاب القبر، لما رَواه ابن عباس -رضي الله عنهما-
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ بقبرين فقال:
«إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا
أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ
فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»[4]،
وما أكثر سُفراء السوء الذين أفسدوا ذات البين، وأوقعوا بين الناس يا
أخيّة! واعلمي أن لكل ساقطة لاقطة، فلا تكوني أنتِ من تلتقط وتذيع كل ما
تسمع.
همسة أخوية: إنَّ طاعة اللسان ندامة.
الغِيبة:
إن الغيبة هي ذِكر الإنسان في غيبته بما يكره، يقول الرسول صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ
أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ
مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ
بَهَتَّهُ»[5]،
فالضابطُ: ذكرُكِ شخصا لما يكره، وكثيرا ما يكون كلام المرأة عن المرأة في
المجالس النِّسائية، سواء كان في خَلقها، أو خُلقها، في دينها أو دُنياها،
أو ما يتعلّق بها.
ولله درُّ سفيان بن عُيَيْنة حين قال: «الْغِيبَةُ أَشَدُّ مِنَ الدَّيْنِ، الدَّيْنُ يُقْضَى، وَالْغِيبَةُ لَا تُقْضَى»[6].
فلتكوني
يا أخيّة وقَّافة عند أوامر الله ولتتذكري دوما: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ
مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ
رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، حتى لو كان عيبا موجودا في أختك، فاكتميه واستُري
عورتها لما تعلمه فيكِ، وأي الناس ليس به عيوب؟!
تمعني
أختي الحبيبة في قول الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسّلام وهو يخاطبنا:
«مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»[7]، أوَ تفرطين في ستر الله لمعاصيكِ وعيوبكِ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟ لمجرد لذة عابرة ومتعة عارضة؟
إذا رُمْتَ أن تحيا سليماً من الرَّدى *** ودِينك موفُورٌ وعِرضُك صيّن
فلا ينطقنَّ منكَ اللسان بِسوْءَةٍ *** فكُلُّكَ سَوءاتٍ وللناس ألْسُنُ
وعينُك إن أبْدَتْ إلَيْكَ مَعَائباً *** فدَعْها وقُلْ يا عينُ للنَّاس أعْيُنُ
وعَاشر بمعروف وسَامح من اعْتدى *** ودافِع ولكن بالتي هِيَ أحْسَنُ
ولا
أظنك الآن تجهلين عواقب النميمة والغيبة عليكِ وعلى المجتمع، يبقى أنّك
ربما تودين التقرُّب إلى شخص بعينه، بنقل الأخبار إليه، أو تُسايرين
جليساتك يا أخيّة، وتُجاملينهن، اسمحي لي أن أقول: لكِ الخيار: إرضاء
محدّثتك وهواكِ أو إرضاء ربِّك في هذا الشهر الفضيل، ليست معادلةً صعبة،
وليس سؤالا معجزا، بل هو قرار تتخذينه وتسيرين على نهجه... إرضاء لله.
أو
رُبّما تتشفَّين بنقلكِ لخبر ما يحطُّ من قدر شخص بينك وبينه عداوة،
فاسمحي لي أن أقول لكِ مرة أخرى: لا يخلو الأمر من كذب أو تشهير بالآخرين،
أو ظلمهم، وربما هذا التشهير نتيجة حقد وغل ملأ قلبكِ، فكيف تتحمَّلين وزر
كل هذا وأنت في شهر يجدُّ فيه غيركِ لكسب الثواب والأجر ويأمل من الله
مغفرة الزلات والذنوب؟
يُروى
أنه اجتمع قيس بن ساعدة بأكثم بن صيفي، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدتَ في
ابن آدم من العُيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تحصر، وقد وجدتُ خصلة إن استعملها
الإنسان سترت العيوب كلها، قال: وما هي؟ قال: حفظ اللسان[8].
همسة أخوية:
يَا رُبَّ أَلسنَةٍ كَالسُّيوُفِ *** تَقْطَعُ أعْنَاقَ أَصْحَابِها
وَكَمْ دُهِيَ المَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ *** فَلا تُؤْكَلَنَّ بِأَنْيَابِها
السبُّ والقذف والشتم:
إن
الصيام يُصلح النفوس، فهلمي لفرصة تصحِّحين فيها أخطائكِ وتصلحين فيها
سلوككِ، لنتتبع وصية الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، ونتدبر هدْيه
النبوي، قال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ
فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ،
فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»[9]،
هي جملة تمثل قمة الوعي بضرورة حفظ اللسان وصونه، وتعويده على طيب الكلام،
فلا تقابلي من سبَّتكِ أو شتمتكِ أو آذتكِ بمثل ما بدر منها، ولا تنتصري
لنفسكِ، بل اصبري واحتسبي واكظمي غيظك، وذكِّري نفسك وذكريها بشهر الصيام:
إِنِّي امرأة صائمة.
ادفعي
بالتي هي أحسن يا حبيبة، ولا تدعي شعور الغضب يغلبكِ وتنهار معه مقاومتكِ،
وما أجمل مقابلة الإساءة بالإحسان، جرِّبي هذا الشعور وسترين حلاوته!
همسة أخوية: عثرة القدم أسلم من عثرة اللسان.
الكذب:اعلمي
يا رعاكِ الله أن آفة الحديث الكذب، فإيّاكِ والكذب يا أختي، لعمري إنه من
قبائح الذُّنوب وفواحش العُيوب، إن الكذب في الحديث من خِصال المنافقين،
عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُ المنافِقِ
ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا
اؤْتُمِنَ خَانَ»[10]، وبئس هذا الوصف لمن اتَّصفت به!
إن
الصدق يهدي إلى الجنة والكذب إلى النار، إن الصِّدق مفتاحُ البر والكذبُ
مفتاح الإثم والفُجور، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: «عَلَيْكُمْ
بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ
يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى
الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ
وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ
الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ
وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»[11].
همسة أخوية: إنما السَّالم من ألجم فاه بلجام.
الثرثرة:
اعلمي
-يرحمكِ الله-، ليس كلُّ ما يُعلم يُقال، وليس كل ما في صدورنا نبوح بهِ،
وليس كل شخص نُقابله نثق فيه ونبثه لواعج صدورنا، لكن بعكس ما يجب، هناك من
تهذر في كل شيء، وتتحدث عن أي شيء، وتنتقل من حديث لحديث، ومن خبر لآخر...
تلك هي الثرثرة، وتلك هي الثرثارة أيضا!
وفي
خِضَّم كثرة الكلام سيزيّن لها الشيطان أرذل الكلام وأقبحه، وإن بدت لها
بدايته متزنة، فبطول الحديث قد تتَّصل به النميمة والغيبة والكذب، مع الحشو
والزيادة والمبالغة وتضخيم الأمور والتوقُّع والحُكم على الآخرين، وما
أقبحها من نتيجة!
يقول
الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ
وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ
أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا
يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ والمتشَدِّقُونَ وَالمتَفَيْهِقُونَ»[12]،أفلا
ترغبين أن تكوني من أحب الناس لحبيبك المصطفى يوم القيامة؟ فالندم على
السكوت خير من الندم على القول، ولأن تسرفي في السكوت خير لكِ من أن تسرفي
في الكلام، فلتتعظي...
همسة أخوية: القَوْل لَا تملكه إِذا نما *** كالسهم لَا يرجعه رام رمى
السخرية والاستهزاء:
السخريه
هي احتقار الغير والاستهانة به، وذكر نقائصه وعيوبه بالقول أوالفعل أو
بالإشارة أو الإيماء أو التقليد، وقد أجمع علمائنا على تحريم السخرية من
الآخرين، يقول عز وجل﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ
مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ
نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا
أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ
بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
[الحجرات:11].
همسة أخوية: من تفقَّدت مقالها قلَّ غلطها!
إن
كنتُ قد وقفت على بعض من هذه الآفات فهي أكثر من أن أقيدها في هذه الأسطر،
فما قلتُ عن آفات اللسان السابقة الذكر ونتائجها الوخيمة على العبد، ينسحب
على إفشاء السر وشهادة الزور، وكثرة المزاح أو المزاح الكاذب وغير ذلك.
ما الحلُّ مع من ابتليت بآفات اللسان؟
الآن... ما العمل إذا كانت هذه الصفات بعينها قد ابتليتِ بها، وما العمل إذا أدركَ سمعك نميمة أو غيبة في مجلس أنت طرفٌ فيه؟
لن تعدمي الوسيلة يا كريمة الشمائل، إليك حُلولا تُساعدك على التخلُّص من هذه الصفات الذميمة:
•
التعوذ بالله من شرّ اللسان تأسيًّا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الذي ورد في دعائه: «أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَشَرِّ
بَصَرِي، وَشَرِّ لِسَانِي، وَشَرِّ قَلْبِي، وَشَرِّ مَنِيِّي»[13].
•
حاولي التقليل من المكالمات الهاتفية، ولا تستهويكِ الإعلانات التي تجعل
الكلام مجانا لساعات طوال من رمضان، وما أكثرها! ولعلَّها من أهم أسباب
التواصل، ليته كان تواصلا في الخير يا أمة الله! اسئلي نفسك وأعيدي تجارب
رمضان الماضي والذي قبله، تذكّري: من كَثُر كلامه كَثُر غلطه!
• اتركي المجلس الذي تشعرين أنه يجدُّ في إيقاع العداوة والبغضاء بين الأفراد بالنميمة والكذب والسخرية.
•
استحضري دوما الصورة التي رسمها القرآن الكريم في تشبيه المغتاب بقوله
تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ
يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، ولتجعلي نفسك مكان المغتاب
لعلَّ وعسى!
•
قال النووي في الأذكار: «اعلم أنه ينبغي لمن سمع غِيبةَ مسلم أن يردّها
ويزجرَ قائلَها، فإن لم ينزجرْ بالكلام زجرَه بيده، فإن لم يستطع باليدِ
ولا باللسان، فارقَ ذلكَ المجلس، فإن سمعَ غِيبَةَ شيخه أو غيره ممّن له
عليه حقّ، أو كانَ من أهل الفضل والصَّلاح، كان الاعتناءُ بما ذكرناه أكثر.
»[14].
• تذكَّري الملكين الشاهدين على كل كلمة تنطقينها ولفظة تخرج من بين شفتيكِ يا أختاه، تذكَّري أنهما لا يغيبان عنكِ،﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].
•
لا تُطيعي التي تمشي بين الناس بالنميمة، وتسعى لإفساد العلاقات بين
الأخوات والأُسر، ولا التي تغتاب الناس، واستحضري قوله تعالى: ﴿ وَلا
تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم:
10-11]، وعليكِ عدمُ تصْديق النَّميمة، ولا تظنّي سوءًا بأخواتكِ ممن نُقل
عنهُن الكلام، واجتنبي كثيرا من الظنّ، إنه مدعاةٌ للفُرقة وفسادٌ
للعلاقات.
• إن
كان سبب النميمة التي تجري على لسانك الرغبة في زوال نعمة المتحدَّث عنها،
فروِّضي نفسك على الرضا بقضاء الله وقدره، فتلك النعمة التي ترفل فيها أختك
في الله، هي نصيبها، ولن يزيدكِ حسدكِ لها إلا حسرة وألما، استشعري نِعم
الله عليكِ، ستعلمين حينها... كل ميسَّر لما خُلق له!
• استشعري ستر الله لكِ، وكوني لأختك ساترة.
•
استحضري أيضا ثمرات حفظ اللسان في الدنيا والآخرة، ويكفي أن نتذكر قوله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ
لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ»[15]، أوَ بعد الجنة أمنية أغلى وهدف أسمى؟!
•
اقطعي كل الأسباب التي تحرِّك اللسان بما لا يُرضي الله، كالغضب، ومجالسة
النمّامات، فإن زال الدافع استطعتِ التغلُّب على هذه الآفة الخُلقية
الذّميمة.
• عليكِ بوقفة تأمل، تحدِّدين فيها الأسباب التي توقعك بالغيبة والنميمة وتجنبيها، فإذا عُلم السبب عولج بالإقلاع عنه.
• عليكِ بالرفقة الصالحة الطيّبة، ابحثي عن الصديقة التي تأخذ بيدك لبر الأمان، إن رأتكِ غافلة ذكَّرتك، وإن رأتكِ ذاكراة أعانتكِ.
• عليكِ بمجالس الذكر فهي من أهم أسباب حفظ اللسان وصونه عن الخوض في الباطل.
• اتفقي أنت وصديقاتك على عدم الوقوع في النميمة والغيبة، وليكن اتفاقا جادا بينكن.
• اشتغلي بعيوب نفسكِ، حينها لن تلتفتي لعيوب الأخريات ولن تنشري أخبارهن وزلاتهن.
•
جاهدي نفسك على كظم الغيظ وكوني ممن وصفهم رب العزة قائلا: ﴿
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران:134]،فإنَّ أشد الجهاد مجاهدة الغيظ.
• إن بدرت منكِ كلمةٌ بذيئة أو لفظة زائغة، فسارعي بالتَّوبة والاستغفار.
والآن...
لا تستطيعين؟! حاولي، واتبعي المحاولة بأخرى، إنه ليس بالأمر الهيِّن
السهل، لكن الله سيمتحن إخلاصكِ ويرى مثابرتكِ على التوبة من هذه الآفات،
ومدى مجاهدتك لنفسكِ ومَن توكّلت على الله فهو حسبُها.
وتذكري
أنّه شهر وينقضي، وأيام وتنتهي، ولعل أول خطوة تتخذينها في رمضان تكون لكِ
بداية للتخلص من هذه الآفات طول عمرك، فلا تتواني، ومن طلب شيئاً وجدَّ
وجدَه، ومن قرع باباً وألحَّ ولجه، فعلا...إنَّ في حفظ اللِّسان راحة
الإنسان، فلنعمل على راحتنا.
[1] صحيح البخاري، صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، ط1، 1422 ه، 3/26.
[2]
النووي، الأذكار، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، دار الفكر للطباعة والنشر
والتوزيع، بيروت – لبنان، طبعة جديدة منقحة، 1414 هـ - 1994م، 332.
[3]
الخرائطي، مكارم الأخلاق ومعاليها ومحمود طرائقها،تقديم وتحقيق: أيمن عبد
الجابر البحيري، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 1419 هـ / 1999 م، 400.
[4]
صحيح البخاري، 1/53، وصحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء
التراث العربي، بيروت، لبنان، 1 / 93، 1/240، واللفظ للبخاري.
[5] مسلم، 4/2001.
[6] أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، السعادة، 1394هـ/ 1974م، 7/275.
[7] صحيح البخاري، 3/128، صحيح مسلم، 4/2002.
[8] الأبشيهي، المستطرف في كل فن مستظرف،عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط1، 1419ه، 93.
[9] صحيح البخاري، 3/128 وصحيح مسلم، 4/2002.
[10] صحيح البخاري، 1/16 وصحيح مسلم، 1/78.
[11] صحيح مسلم، 4/2013.
[12] صحيح البخاري، 3/128 وصحيح مسلم، 4/2002.
[13]
النسائي، سنن النسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات
الإسلامية – حلب، ط2، 1406 هـ- 1986م، 8/255، صحّحه الألباني في صحيح
الجامع الصغير وزياداته، المكتب الإسلامي، 1/277.
[14] النووي، الأذكار، 343.
[15] صحيح البخاري، 8/100.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى